رأي حر

كلّ فاز بما يملك/ بقلم عمر سعيد

يؤسفني أن أقول: إنّ مونديال قطر كشف أنّه ليس مساحة لإشباع حاجاتنا في الاختلاف، والتّميز، والتّلاقي، والتّنافس الإنساني.

بل أظهر كثيرًا من عجزنا، وحقدنا، وشغفنا بالعدائيّة والكراهيّة.

قد يقول البعض: إنّه بسبب العجز.
وقد يقول آخرون: هذا بسبب ظلم الاستعمار طوال قرون.
ولأكن بسيطا ومباشرًا لأقول: لسنا الوحيدين العاجزين عبر التّاريخ، ولسنا (الشّعوب) الوحيدة الّتي استعمرت تاريخيّا، وأضع كلمة شعوب بين قوسين، نظرًا لحاجة الكثيرين إلى خصوصيتهم.

إنّ كمّ التّراكمات النّفسية، قد انعكس في كثير من المنشورات، والتّعليقات، والسّلوكيات.
ما أكدّ لي أنّنا في الرّياضة كما في السّياسة كما في الطّائفية.
فمنّا من فتّش على أصول اللّاعبين، ليثبت هويتهم الدّينية، ومنّا من فتّش على حياتهم الشّخصية، ومنّا من ربط الكرة بعرش الّله، ومنّا من اعتبرها سبب كلّ تخلفنا، وفقرنا، والظّلم الواقع علينا.

قرأت هجومات على اللّاعبين المغاربة، وتهجّمات على قبّعة ميسي اليهوديّة. وعلى لاعبي المنتخب الفرنسي سود البشرة. وغيرها.
حتّى توصّلت إلى أنّ من أسباب رفض القوميين للإخوان المسلمين، ومن أسباب تمني الإخوان قتل كلّ من هو ليس إخونجي،  ومن أسباب تقاتل عشائر العرب في صعيد مصر و البقاع والعراق وسوريا وجرائم الشّرف في الأردن هي آثار المكبوتات النّفسية.
وهي التي جعلت الأمور بهذا التعقيد واقعيّا.
فواقع الأسرة كواقع المجتمع.

أعرف أسرًا، يعيش الشريكان فيها كلّ في غرفة، وقد انقطعا عن تبادل الحديث منذ سنين. وأعرف أبناء هجروا بيوتهم لأجل صراعات الحمو والكنة.
وأبواب رزق أقفلت بسبب الحسد، وبيوت دمرت بسبب النق. وما لا يتسع له الحديث هنا. وهذا كله تراكمات نفسية.

وهنا سأسأل أمة “إلا من أتى الّله بقلب سليم”:
ما علاقة قدم ميسي بالصّراع العربي الإسرائيلي؟!
وما دخل زوجة اللاعب المغربي العارية بالكرة؟!
وما الفرق إن كان كلّ لاعبي المنتخب الفرنسي حمر البشرة أو صفرها أو سودها بقضايانا السّياسية؟
وقد لاحظ كلّ من شاهد أمس أن اللاعب الفرنسي مبابيه لم يكن يهتمّ لماكرون في الملعب.

وهنا سأسأل سؤالي الأهم:
ألستم تقرؤون في كتابكم آخر سوره:
“قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، … لكم دينكم ولي دين!”
و “أفأنت تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين؟!”

هل أمرتم بنصح البشرية أم بشتمها؟!
هل أمرتم بهدايتها، أم أنكم تفتّشون عن إكراهها بالحرب والجزية معًا؟!
ألستم تورثون كلّ مخازين الكراهيّة والحقد لأطفالكم من حيث لا تنتبّهون، وبمبرر “هكذا يأمركم دينكم”.
فإن كنتم قد أمرتم بكلّ هذا الكره، اللهم فاشهد إنّي أبرّىء نفسي ممّا أمرتم به.

لقد فازت قطر بما تملك، ولأنّها تملك المال، فازت بما يمكن أن يصنعه المال.
وفازت الأرجنتين بما تملك، وهو أقدام ميسي. ولأنّها تملك قدمي ميسي فازت بالمونديال.

أما أولئك المساكين؛ فلن يفلحوا بما لا يملكون،  لأنّهم يقتاتون خبز الحقد والكراهية والعجز، ويحمدون اللّه على ذلك.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى