رأي حر

موسيقى الأمطار / الدكتور الأخضر بركة

موسيقى الأمطار

  1. كالرُّوحِ في خَبَبَ اندفاعاتِ الُخُيولِ إلى البراري،
    تسقطُ الأمطارُ،
    فوق صفائِح الزَّنْكِ المُعَلَّقِ، كانكسارٍ
    للهواءِ على ذُرى إبَرِ الصَّنَوْبَرِ، كانكسارٍ
    من مئاتِ عقاربِ الساعاتِ
    خلف زجاجِ نوافذِ الأطفالِ
    تهْمي
    مثل مُوسيقى
    مُعذّبةٍ
    بأنفاسِ البِيَانُو،
    كارتعاش الصَّمْتِ في الكلماتِ
    تَسْقُطُ.
    من تلابيبِ الغِيابِ
    يشعُّ ماءُ مشيمةِ السُّحُبِ القَدِيمة.
    ***
    تسقط الأمطارُ كي
    يَحْمَرَّ قرميدُ النُّصوصِ المنزليّةِ
    في شتاءِ السّرْدِ أكثرَ،
    أو تُطِلَّ على الحياةِ الذِّكْرَيَاتُ
    أمامَ مِدْفَأة الشُّعُورِ الحُرِّ،
    كي ينسلَّ من ثوب النَّهَار الرَّثِّ إجهاشُ البدايةِ،
    كي يسيلَ اللّيلُ مصقولاً
    بأمشاطِ التمهُّلِ في أحاسيسِ الضّفيرةِ.
    ***
    تسقط الأمطارُ كي
    يهتزّ عصفورٌ من البِلَّوْرِ في عُرْي الحديقةِ،
    كي يعود إلى جبالٍ
    ذِئْبُهَا المنحوتُ من لُغةِ البُهُوت،
    ومن شظايا فضَّةٍ،
    كي تستحمَّ بداهةُ الأشياءِ
    من زبَدِ النُّعُوت
    ***
    تتساقطُ الأمطارُ أشجاناً
    على سطحٍ
    به شوقٌ
    إلى أعماقهِ.
    ***
    تتساقطُ الأمطارُ أشطاناً
    على عُمْقٍ
    به شوقٌ
    إلى آفاقِهِ/ الأمطارُ كيمياءُ الِحجَابْ
    بين السَّمَاءِ وكِبدةِ الصَّلْصَالِ.
    صوتُ الماءِ في المِزْرَابِ آهاتُ الرُؤى
    مخدوشةً بأظافرِ المخيالِ،
    صوتُ الماءِ حشرجةُ الغيابْ
    ***
    سنحبُّ هذا الحبَّ مغسولاً
    من الأسماءِ، هذا الحبَّ مرتعشاً
    كأوْتَارِ “اللُّوتارِ” الناتئِ الأوجاعِ، هذا الحبَّ
    منهمراً
    سِهاماً
    في
    التُّرَاب
    ***
    لا تحفظ الأمطارُ آثارَ الرُّجِوعِ إلى المكانِ
    إذا الغَمامُ بها ابتعدْ
    تأتي كما لو أنّها تأتي لأوّلِ مرّةٍ،
    من دون إذنٍ من أحدْ.
    بلْ لا تجيءُ ولا تروحُ،
    فقطْ تكونُ كما يكون القلبُ ممتلئاً بغيمٍ
    لا تحيطُ به الشُّرُوحُ.
    ***
    كأنّما شجرٌ
    ترنّح في أعالي الرُّوحِ، فانْتثر البياضُ
    كأنّما شجرٌ
    زجاجيُّ الغريزةِ، لا يضيفُ له الوُضوحُ
    سوى غموضٍ قد تقطّر حيرةً في كأْسِ حَدْسِي
    لا اقْتِرَابَ ولا ابْتِعَادَ، تراودُ الأمطارُ نفسي
    عن شَجَى نفسي.
    على إيقاعها الكلماتُ تنهضُ كالنَّبَاتِ من السُّبات،
    كهَلْوَسَاتِ العُشْبِ في الوديان،
    للأمطار ِأصواتُ النوافذِ
    وهي تُفتحُ في الصبيحةِ،
    ثرثراتُ النّحْلِ في الأشجارِ،
    ساقيةُ الحصى
    مبحوحةً تجري إلى المجهولِ
    للأمطارِ عطرُ النّارِ في خبز القرى،
    وأريُج غاباتِ النشيج.
    ***
    سنحبّ هذا الحبَّ
    محمولاً على وَتَرِ التنهّدِ
    كالمعابدِ فوْق هاويةِ الزَّمَان.
    ***
    سنحبُّ هذا الحبَّ بُنيِّاً
    بطعم الأرض، معضُوضًا
    بأسنان اختباراتِ المكان.
    ***
    سنحبُّ أن نمشي
    تُحَيْتَ وِشَاحِهِ الشّفافِ مُرْتَعِشِينَ
    كالأحجارِ تحت الماءِ،
    سوف نحبّ أن ينسلَّ ما بين الثيابِ ولحمِنَا
    دمعُ السّماءِ،
    سنترك المعنى يفكّ هناك عنّا
    غُمّةَ الأزرار.
    ***
    سوف نحبُّ أن نتذكّرَ اللاشَيْءَ،
    أن ندعَ الغيومَ تحطُّ مثْلَ الطَّيْرِ
    أقربَ من مواجِعِنَا
    ومن جِلْدِ احتمالاتِ النّهاِر
    ***
    قد يرتدي مطرٌ عواطِفَنَا معاطفَ،
    قد يعبّئُ حُفْرَتيْ عَيْنَيِّ تمثالِ المدينةِ بالدُّمُوعِ
    وقد يملُّ من ارتطامٍ بالحديدِ
    وغابةِ الإسْمَنْتِ،
    قد لا يلتقي
    أو يلتقي بصديقهِ المحراثِ،
    قد يمضي على عجل
    وحيداً
    دونما نظرٍ إلينا
    مثلما
    ساعي البريد
  1. د. الأخضر بركة/ الجزائر
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى