لبنان

مؤشرات الانهيار تتسارع في لبنان… والقطاع الطبي ينذر بكارثة

هل أوشكت عودة لبنان إلى العصر الحجري؟ سؤال يبدو مستغرباً للوهالة الأولى، إلا أن تسارع مؤشرات الإنهيار، دفعت بالمواطن اللبناني إلى اليأس من إمكان التغيير، واختصرت صورة تداولها رواد التواصل الاجتماعي الحال القائم. ففي عام 2020، تضطر المدرسة الرسمية في البداوي شمال لبنان إلى إعطاء الدروس على نور الشمعة بسبب تقنين التيار الكهربائي ونقص المحروقات. ولم يتوقف التدهور عند حد نقص الطاقة الكهربائية، فمستشفيات لبنان مهددة بسبب عدم القدرة على استيراد المستلزمات الطبية، بينما ارتفعت صرخة الصيدليات بسبب فراغ رفوفها من بعض الأدوية وحليب الأطفال. كما أن المشكلة بلغت حد شطب لبنان عن خريطة الفاعلين في الساحة الدولة، إذ حرم لبنان من حق التصويت في الأمم المتحدة بسبب عدم دفع الرسوم المترتبة عليه للمنظمة الدولية.

المستشفيات… غرف طوارئ
ويعتبر القطاع الطبي أول ضحايا الأزمة الحالية، ويشعر المواطن بخوف حقيقي على حياته، لأن توقف المستشفيات عن تقديم الخدمات الطبية والصحية، يعني المساس بحقه في الحياة الصحية والسليمة. ويقر نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون بخطورة الوضع الحالي، مشيراً إلى أن التركيز حالياً على إجراء العمليات الطارئة في مقابل تأجيل ما يمكن للاستفادة إلى أقصى حد من المواد المتوافرة حالياً على أمل الوصول إلى حل.

ويوضح هارون أن مستوردي المواد الطبية يواجهون صعوبة في الحصول عليها، كما أن المنتجات بدأت تتراجع كميتها في المستودعات، ويلفت إلى أن إجراءات البنوك التجارية تُصعّب الواقع، وإلى عدم الالتزام بالـ 50 في المئة التي تعهد مصرف لبنان بتوفيرها للمستوردين على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، في مقابل تأمين المستورد الجزء المتبقي. ويجري رفض بعض طلبات الاستيراد، فبعض الجهات تتقدّم بفاتورة بقيمة 200 ألف دولار لا يُوافق إلا على 100 ألف دولار منها.

ويتخوف اللبناني من هذا الواقع المريب، وتحديداً أهالي المصابين بأمراض مستعصية أو السرطان. ويكشف هارون أن بعض المستشفيات التي وصفها بغير الأساسية والخصوصية والمتوسطة الحجم، توقفت عن تقديم العلاج لمرضى السرطان إذ إن ميزانيتها لا تسمح بشراء الدواء من السوق لأن الوكيل يُطالب بدفع ثمنها خلال أربعة أشهر، بينما تتأخر الجهات الضامنة عن الدفع. ويؤكد أن المستشفيات الجامعية استمرت في تقديم العلاجات على الرغم من تأخير الدولة عن دفع البدلات.

ويوضح أن مشكلة المتأخرات بدأت عام 2012، حين دفعت الدولة ما عليها جزئياً، ليصل العجز إلى 50 في المئة عام 2018، وعدم دفع الأعباء الواقعة على الدولة بالكامل لعام 2019، الأمر الذي لم يعد بإمكان المستشفيات تحمله.

الكهرباء إلى مزيد من التقنين
وتشغل الكهرباء مكانة الجوهرة في تاج الفساد والهدر في لبنان، ووصل حجم الهدر في قطاع الكهرباء إلى حوالى 40 مليار دولار، بحسب محمد قباني رئيس لجنة الطاقة النيابية سابقاً. ومع حلول موعد إعداد موازنة 2020، اعترفت الدولة بعدم القدرة على تحمل المزيد من الخسائر وخفّضت حجم العطاء لمؤسسة كهرباء لبنان بحدود 1500 مليار ليرة. وفي ظل عدم بلوغ الخطط الإصلاحية خواتيمها، أصبح التقنين بديهياً.

وأكدت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ندى البستاني أن “الفيول يكفي لبنان حتى آخر فبراير (شباط)، وجرى توزيعه على المناطق، لتكون التغذية في بيروت بين 16 و21 ساعة، وفي بقية المناطق بين 8 و10 ساعات”.

هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، ففي طياته بشارة لأهالي مناطق الأطراف أن فترة انقطاع الكهرباء ستصل إلى 16 ساعة يومياً. وكانت منطقة المنية أولى المنتفضين على الحرمان من التيار الكهربائي، لذلك تشهد تحركات متواصلة منذ أسبوعين. فهي وعلى الرغم من احتضانها “معمل الموت في دير عمار”، لا تحصل على التغذية الكهربائية، بحسب الناشط عامر عطية، الذي يتهم مؤسسة كهرباء لبنان بالتقصير وعدم وضع فلاتر على فوهات المعمل الذي يتسبب في نشر الأمراض في منطقتي المنية وعكار وطرابلس. ويتحدث عطية عن استخدام إستراتيجية التقنين الشديد في الصراع السياسي بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” من جهة، و”تيار المستقبل” وأنصاره من جهة أخرى، بينما لم تصدق وزيرة الطاقة في وعودها لأعيان قضاء المنية بزيادة التغذية فور انتهاء فصل الصيف.

صفقات البواخر
من ناحية أخرى، يصوّب النائب السابق محمد قباني على “التحالف الذي يضع يده على البقرة الحلوب التي تُعطي الدولارات، فهؤلاء لم يقدموا الإصلاحات الضرورية للكهرباء، وعوضاً عن بناء المعامل الإنتاجية، دخلوا في صفقات البواخر من فاطمة غول إلى كارادينيز، ولم يوافقوا على عرض المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إنتاج الكهرباء بكلفة معقولة”. ولم يتأخر باتهام نافذين في السلطة بالاستفادة من البواخر، ومن بينهم سمير ضومط نائب رئيس “تيار المستقبل”.

ويذكّر قباني بـ “عمولة معمل دير عمار، عندما حاول القيمون على وزارة الطاقة إعفاء المتعهد الذي رست عليه مناقصة معمل دير عمار من ضريبة القيمة المضافة 10 في المئة، والتي قدرت حينها بـ 50 مليون دولار”. كما يلفت إلى عرقلة خطط إنتاج الكهرباء من الطاقة البديلة، حين رست التعهدات على ثلاث شركات “نزار يونس ودبا، وألبير خوري” لإنتاج الكهرباء من الرياح في عكار.

ضحايا الدولار
ويحتل الدولار مكانة مركزية في ثقافة الكائن اللبناني لارتباط كل نواحي حياته بالدولار. وتختصر أستاذة الاقتصاد ليال منصور مشكلة لبنان بدولرة الاقتصاد، التي تصل إلى 75 في المئة من الحسابات هي بالدولار، لذلك لا تستغرب سرعة الانهيار في ظل غياب الدولار من السوق، الأمر الذي عرقل حركة التعامل في السوق المحلية والدولية، وحال دون القدرة على استيراد المواد الأولية لإنتاج الصناعات المحلية. كما لم يعد بالإمكان الحصول على البنزين والقمح والطحين والذهب، أو الوصول للسوق العالمية.

ونتج من غياب الدولار فقدان عصب الحياة الاقتصادية، وأسهمت الإجراءات المصرفية في زيادة ذلك، فالمصارف وضعت سقفاً للسحوبات بحدود 200 دولار أسبوعياً. وتحمّل ليال منصور مسؤولية الأزمة لمن هرّب الدولار من لبنان، مستغربةً “اللامبالاة من البنك المركزي”. وترجح أن يكون ذلك مقصوداً، لأنه “لا يمكن لأي شخص طبيعي يمتلك سلطات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويترك الوضع على حاله”، كما أن بعض التعاميم تعمدت التذكير ببعض مواد قانون العقوبات لناحية المس بسمعة البلاد المالية ومكانتها الاقتصادية، لإسكات كل من يمكن أن يفضح سوء الإدارة وتكرار “الليرة بألف خير”.

“الودائع المدولرة”
وتذهب أستاذة الاقتصاد إلى مكان أبعد من ذلك، فهي تشعر بوجود مخطط لتحويل الودائع المدولرة كلها إلى العملة الوطنية على غرار ما حدث في الأرجنتين، وعدم الاكتفاء بالاقتطاعات “هيركات”… لذلك يجري الحفاظ على سعر الصرف الرسمي عند حدود 1515 ليرة، في حين بلغ سعره في السوق الموازية 2500 ليرة، وقد لا يقف عند حدود 3000 ليرة. وهكذا تكون خسارة المودع مضاعفة مرة عند تحويل الوديعة، ومرة عند شرائه الدولار من محلات الصرافة. وتتهم منصور المصارف بمخالفة القانون وإساءة الائتمان بسبب الامتناع عن رد الودائع للمواطن، إلى جانب سوء استثمار الودائع في المعاملات مع الدولة وتمويل الفساد.

وأدى التلاعب بالدولار إلى إضعاف القدرة الشرائية للمواطن، ونسف الزيادات التي جاءت بها سلسلة الرتب والرواتب المُقرة في 2017، كما أدى إلى زعزعة الثقة في القطاع المصرفي. وتعتقد منصور أن البنوك أمام حلّين إما الإفلاس وتصفية الأصول أو الاندماج، إلى جانب رد أصل الودائع من دون الفوائد المتراكمة.

وتقترح الاستمرار في عدم التداول بالدولار في المعاملات الداخلية المستقبلية “طالما تعودنا على ذلك”، وجعله في البنوك للمبادلات المصنعية والشركات الأجنبية للحصول على المواد الأولية للتخفيف من وقع “الدولرة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى