رأي حر

التكرار أخطر أنواع الإدمان. (بقلم عمر سعيد)

يعتبر التكرار من أهم استراتيجيات تطويع وتطبيع الجماهير، وحشرها في مشاريع؛ تستهدفها.

ولأن التكرار استراتيجية بسيطة، وغير معقدة يتم استخدامها وفي كل الميادين :
السياسة
والتسويق
والدين
والتربية والتعليم
والحب

نعم التكرار واحدة من أهم استراتيجيات الحب، إذ يدأب أحد المحبين على تكرار ممارسات تحرض نزعة الفقد والاشتياق عند الطرف الآخر مهما كان بليداً أو متجاهلاً.
كأن يقف له في مكان معين، أو يتصل في وقت معين، أو يمر في دقيقة معينة، أو يردد كلمات معينة، أو يسلك سلوكيات معينة، ويظل يكررها، حتى تتسلل إلى لاوعي المستهدف، فتشكل محرضاً، إن افتقده أحس بالتغيرات والنقص.

كذلك يعتمد أهل التسويق مسألة الإعلان المكرر في الكلمات والشكل والألوان والأصوات عينها، ويصرون على ضخه، حتى يتوهم المتلقي أن هذا المنتج معروف ومجرب من قبله، وبهذا يمنحه الثقة، ويقوم بالشراء.

أما في السياسة فيلجأ السياسي إلى أن :
١- يكرر شكله الذي يريد تثبيته في لاوعي أتباعه، من إطلالة، ولغة جسد، ووقفة، ونبرة صوت، ليبلغ حد عدم تقبله فيما لو أنه غير ولو أمراً بسيطاً في ذلك.
٢- يكرر كلمات وعبارات وجملاً، تشكل هويته في لا وعي المستمع.
ليتولى بعدها قسم التسويق والدعاية تكرار ضخ تلك الأشياء، لتفعل فعلها في المتلقي.

ويحصل الأمر نفسه في الأديان والتربية، فيمنح التكرار القدسية لأشياء لا علاقة لها بالقداسة، عبر استعادة الممارسات نفسها والشعائر نفسها، والمناسبات نفسها وبتفاصيلها الدقيقة من كلمات، ولباس، وطقوس، وزينة، وعطور، وممارسات.

الأمر الذي يولد جماعة، أدمنت أموراً، اعتادت تكرارها، وراح يسكنها الخوف والهلع في حال نقصها أو غيابها.

فلو أن سيدة كررت استخدام مسحوق تنظيف لسنوات، وأُسِرَ إليها أن ذلك المسحوق سيكون عرضة للتغيير أو الفقد، لأحست بالاضطراب والتوتر، ثم لسارعت إلى تخزين ما أمكنها منه.
والأمر نفسه يحصل مع الذي ألِف قَصّة شعره، وطريقة لبسه.

كل ذلك يعكس للمراقب وعلى مستوى العالم خشية الناس وفقد الاتزان إذا ما مرض زعيم، أو تعرض للخطر، أو مات.
فإن بعضهم يبكون، وبعضهم تكفهر وجوههم، وينهار بعضهم الآخر، وقد تبدر عن البعض منهم ردات فعل عنيفة.

هذا لأن الإدمان الأساسي هو في سنوات طوال من التلقي، والخضوع لمادة موجهة، وليس في سموم مادة مستخدمة عبر التعاطي.
لأن أخطر ما يؤثر على بيولوجيا أجسادنا هو تكرار التكرار، الذي تنبعث كيمياؤه فينا من خلال محفزات خارجية، لا حاجة لإدخالها مادياً إلى أجسادنا بالطرق الشائعة.
عمر سعيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى