تحت المجهر

الصراع القادم مع حزب الله – الجزء الثالث

بقلم سيث جي جونز ودانييل بايمان وألكسندر بالمر ورايلي مكابي
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
آذار 2024 – ترجمة صوفي شماس

تأتي أنظمة الطائرات من دون طيار التابعة لحزب الله في مجموعة واسعة. هذه القائمة ليست شاملة، ومن المحتمل أن يمتلك حزب الله نماذج إضافية من الطائرات من دون طيار إيرانية أو محلية. ولا يظهر أيضًا مجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار التجارية، مثل طائرات DJI الرباعية الصينية، التي يمتلكها حزب الله والتي يمكن استخدامها لعمليات المراقبة أو تعديلها لإيصال حمولات متفجرة. وفي حالة اندلاع الحرب مع إسرائيل، فمن المرجح أن يتلقى حزب الله مجموعات إضافية من الطائرات من دون طيار من إيران ويؤكد على تكييف الأنظمة التجارية الجاهزة لتلبية احتياجاته. فقد أنشأت إيران طرق إمداد لوجستية – جسور جوية وبرية – يمكنها نقل أنظمة الأسلحة وغيرها من المعدات من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا. والنتيجة هي أن حزب الله ربما يكون قادراً على مواصلة حملة هجمات الطائرات من دون طيّار ضد أهداف إسرائيلية في لبنان وإسرائيل ما لم يتم قطع طرق الإمداد.

من الصعب التنبؤ باستخدام حزب الله التكتيكي للأنظمة الجوية من دون طيار في الحرب مع إسرائيل. إذ أن مشغلي الطائرات من دون طيّار في حزب الله تلقوا تدريباً لدى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وأجروا تدريبات عسكرية بطائرات من دون طيّار، وهم يراقبون الحرب في أوكرانيا، حيث ظهرت مجموعة متنوعة من الاستخدامات والتقنيات الجديدة للطائرات من دون طيّار في ساحة المعركة. ومن الممكن أن يحاول حزب الله استخدام أنظمة الطائرات من دون طيار التي يمتلكها كجزء من مجمّع للاستطلاع والضربات، أو نقل معلومات الاستهداف للنيران غير المباشرة أو مهاجمة أهداف إسرائيلية متنقلة، لكن قدرة حزب الله على تنسيق أنظمة الطائرات من دون طيّار وقدراته الأرضية لا يزال يتعين التأكد منها.
يستطيع حزب الله أيضاً أن يستخدم أنظمة الطائرات من دون طيار لكشف القوات الإسرائيلية ومراقبتها ومهاجمتها في حال دخولها جنوب لبنان أو للتغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية من خلال هجمات احتشاد، ربما بالاشتراك مع الصواريخ والقذائف. ومع ذلك، من المرجح أن تكون فعالية هذه التكتيكات محدودة بسبب قدرات إسرائيل المتطورة في مكافحة الطائرات من دون طيّار، بما في ذلك أنظمة الحرب الإلكترونية، وأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من الإجراءات المضادة التي يمكن أن تعطل اتصالات الطائرات من دون طيّار مع الأنظمة الأرضية أو تخرجها من السماء تمامًا.
الصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات والأجهزة المتفجرة المرتجلة

تمنح الصواريخ المضادة للدبابات والعبوات الناسفة حزب الله قدرات قوية لمهاجمة المركبات المدرعة والمواقع المحصّنة. وكانت هذه القدرات حيوية لنجاحاته التكتيكية في حرب العام 2006، على الرغم من أن الإخفاقات التكتيكية الإسرائيلية ساهمت في معدل الخسائر التي تكبدتها في العام 2006. ومن غير المرجح أن يكرر جيش الدفاع الإسرائيلي هذه الأخطاء.
يكاد يكون من المؤكد أن حزب الله قام بتحسين قدراته المضادة للدبابات منذ العام 2006. وهو يمتلك حاليًا نظام الصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات، “ثأر الله”، المُصمم للتغلب على نظام الحماية النشط الذي تستخدمه دبابات ميركافا MBT التابعة للجيش الإسرائيلي، على الرغم من أن فعاليته غير واضحة من مصادر مفتوحة. وقد اتخذ حزب الله خطوات لتحسين حركة وحداته المضادة للدبابات، حيث قام بتركيب صواريخ كورنيت المضادة للدبابات على مركبات صالحة لجميع التضاريس. كما أفاد العديد من وسائل الإعلام في أواخر كانون الثاني 2024 أن حزب الله استخدم صاروخ كورنيت EM أكثر تقدمًا لمهاجمة قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية، وهو ما سيمثل زيادة كبيرة في نطاق الصواريخ المضادة للدبابات وقوتها التدميرية. على الجانب التكتيكي، يشير تحليل الأداء القتالي لحزب الله في سوريا إلى أن أعضائه ما زالوا على دراية جيدة باستخدام الصواريخ المضادة للدبابات ضد المركبات المدرعة ومواقع المشاة المحصّنة. والنتيجة هي أن صواريخ حزب الله المضادة للدبابات من المرجح أن تظل إحدى أكثر قدراته فتكاً، حتى لو لم تحقق معدل النجاح الذي حققته في العام 2006.

يتمتع حزب الله أيضاً بقدرة كبيرة على تصنيع العبوات الناسفة. استخدم حزب الله أجهزة متفجرة مرتجلة تحتوي على عبوات ناسفة خارقة ضد إسرائيل في التسعينيات، ومن المؤكد أنه سيسعى إلى القيام بذلك مرة أخرى. العبوات الناسفة الخارقة هي عبارة عن شحنات على شكل نهاية مقعرة، عادة ما ترسل قطعة من النحاس المنصهر عبر الأهداف ثم تخلق رذاذًا مميتًا من المعدن الساخن. من المحتمل أن خبرة حزب الله في استخدام العبوات الناسفة سمحت له بالمساهمة في هجمات العبوات الناسفة ضد القوات الأميركية والبريطانية في العراق. خلال الحرب في العراق، قام الحرس الثوري الإسلامي الإيراني – فيلق القدس – الذي يساعد حزب الله – ببناء أجهزة إطلاق تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ودوائر متفجرة، ومكونات أخرى للعبوات الناسفة الخارقة في إيران وقام بتهريبها عبر الحدود في العراق لاستخدامها ضد القوات الأميركية.

يستطيع حزب الله أيضاً شنّ هجمات على القوات الإسرائيلية باستخدام قنابل الأنفاق التي استُخدمت في العراق وسوريا لتقويض المواقع المحصّنة، أو الذخائر المدعمة بالصواريخ التي استخدمها حزب الله. ومن شأن قدرات العبوات الناسفة هذه، إلى جانب الصواريخ المضادة للدبابات التابعة لحزب الله، أن تسمح للحزب بمضايقة وتعطيل تقدّم القوات البرية الإسرائيلية في لبنان.

لكن هذه الأسلحة لن تكون حاسمة في المعركة. وهي مناسبة لقتل مركبة واحدة في كل مرة أو ضرب موقع صغير محصّن، وليس لهزيمة قوة مشتركة تضم المشاة والمدرعات والنيران غير المباشرة والقوة الجوية. كما أن الإجراءات المضادة الإسرائيلية، مثل نظام الحماية النشط تروفي، ستحد من فعاليتها. ومع ذلك، فإن العبوات الناسفة ستتسبب في وقوع إصابات، وهو ما يعتقد قادة حزب الله على الأرجح أنه سيقوض الإرادة السياسية في إسرائيل.

الدفاع الجوي
منذ حرب العام 2006، أكد حزب الله على تطوير وتوسيع قدراته في الدفاع الجوي في محاولة للحد من التفوق الجوي الإسرائيلي. وتشمل الدفاعات الجوية لحزب الله مجموعة من الأنظمة صنّعتها في المقام الأول إيران وروسيا، بما في ذلك المدافع المضادة للطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة MANPADS، وأنظمة صواريخ أرض-جو قصيرة ومتوسطة المدى SAM. تشق هذه الأنظمة الأكثر شيوعاً طريقها إلى لبنان عن طريق تهريبها عبر سوريا واستخدمها حزب الله من حين إلى آخر للاشتباك مع الطائرات من دون طيّار الإسرائيلية التي تحلق فوق جنوب لبنان في السنوات الأخيرة.
وفي تشرين الثاني 2023، اعتقد مسؤولوو المخابرات الأميركية أن مجموعة فاغنر الروسية تعتزم نقل نظام SA-22 آخر إلى حزب الله من سوريا، كما وردت مؤخراً مزاعم بأن الميليشيات في سوريا تتدرب بشكل نشط على استخدام نظام الدفاع الجوي الإيراني الأكثر تقدمًا، خرداد 15.

من جهة أخرى، انخفض النشاط الجوي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة ولا يزال عند مستويات منخفضة تاريخياً اليوم، مما يشير إلى أن إسرائيل تأخذ تهديد أنظمة الدفاع الجوي التابعة لحزب الله لطائراتها على محمل الجدّ. وتؤكد تصريحات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين ذلك. ففي العام 2022، صرّح قائد القوات الجوية الإسرائيلية المنتهية ولايته أن إسرائيل لم تعد تتمتع بتفوق جوي دون عوائق على جنوب لبنان.
وفي حالة الحرب، من المرجح أن تجبر دفاعات حزب الله الجوية الطائرات الإسرائيلية على التحليق على ارتفاعات أعلى، مما يقلل من قدرتها على ضرب أهداف على الأرض بدقة. وفي الوقت نفسه، ستكون أنظمة الدفاع الجوي التابعة لحزب الله أهدافاً ذات أولوية عالية بالنسبة إلى إسرائيل. ففي 26 شباط 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه ضرب مواقع الدفاع الجوي التابعة لحزب الله في وادي البقاع ردا على إسقاط حزب الله طائرة إسرائيلية من دون طيار فوق لبنان في وقت سابق من ذلك اليوم. وفي صراع متصاعد، من المرجح أن تستمر إسرائيل في تفضيل استخدام الأنظمة الجوية من دون طيّار على الطائرات المأهولة لخفض نسبة المخاطر التي تشكلها أنظمة الدفاع الجوي على طياريها، على الرغم من أن إسرائيل لديها طائرات من الجيل الخامس مثل المقاتلة الشبحF-35 Lightning II . إن نجاح حزب الله في إسقاط طائرة إسرائيلية يقودها طيار سيكون حدثاً ذا أهمية استراتيجية.

على الرغم من أن أنظمة الدفاع الجوي المطورة لحزب الله تشكل تهديدًا أكبر للطائرات الإسرائيلية مما كانت عليه في الصراعات السابقة، إلا أن إسرائيل لا تزال تتمتع بتفوّق جوّي هائل على لبنان، وتفتخر القوات الجوية الإسرائيلية ببعض الطائرات الأكثر تقدماً في العالم، بما في ذلك الأنظمة الأميركية والمُصمّمة محلياً. منذ هجوم 7 تشرين الأول، نجحت القوات الجوية الإسرائيلية بضرب أهداف في جميع أنحاء لبنان بشكل يومي تقريباً.

العوامل البشرية
إن كفاءة حزب الله التكتيكية، وخبرته وإرادته القتاليتان، تجعل منه تهديداً أكثر فتكاً من حماس – وحتى من الجيوش الإقليمية الأخرى. ولقد منحت خبرة حزب الله القتالية في سوريا لقواته خبرة في القتال البرّي لا يمتلكها سوى عدد قليل من الجيوش الإقليمية، مما أجبرهم على تعلم كيفية القيام بعمليات هجومية وتعريضهم لتكتيكات وتقنيات وإجراءات الجيش الروسي. كما أبدى عناصر حزب الله مراراً وتكراراً استعدادهم لقبول المشاركة الحاسمة والقتال حتى آخر جندي، وهي مواقف لن تزيدها إلا الرغبة في الدفاع عن منازلهم ضد أي هجوم إسرائيلي.

باختصار، إن حزب الله الذي قد تواجهه إسرائيل إن تصاعد العنف إلى عمليات برية كبرى، أصبح أكثر قدرة مما كان عليه في العام 2006. فحزب الله أكبر حجماً وأفضل تسليحاً وأكثر خبرة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى خبرته في القتال في سوريا. ومع ذلك، لا يزال الجيش الإسرائيلي يتفوق عليه من الناحية التكنولوجية، والذي استعد منذ فترة طويلة لتكرار حرب 2006، والذي انخرط في حرب مع حماس منذ تشرين الأول 2023، وسيكون قادرًا على جلب قوة نيران أكبر بكثير من منصاته البرية والجوية.

الأهداف والخيارات الإسرائيلية
في ضوء المشهد الاستراتيجي المتغيّر وقدرات حزب الله المتطورة، ما هي الخيارات المتاحة لإسرائيل؟ هناك على الأقل أربعة خيارات:
العودة إلى الوضع الراهن قبل 7 تشرين الأول والتأكيد على الردع،
بدء حرب شاملة مع حزب الله لتدمير قدرات الحزب وإجباره على الانصياع لمطالب إسرائيل،
الانخراط في حرب محدودة مع حزب الله للضغط عليه ودفع قواته بعيدًا عن الحدود الإسرائيلية،
استخدام الدبلوماسية القسرية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بشكل أفضل.

الخيار الأول: الوضع الراهن والعودة إلى الردع
قد تحاول إسرائيل العودة إلى نهج الردع، الذي حافظ على السلام بصعوبة طوال عشرين عاماً تقريباً. يعتمد ردع حزب الله على فكرة أن التهديد بالحرب – بما في ذلك التدمير المحتمل لأجزاء من لبنان – والضربات العقابية على الحزب والبنية التحتية اللبنانية ستمنع الحزب من شنّ هجمات أو على الأقل ضربات واسعة النطاق على إسرائيل.

يعمل هذا التهديد من خلال تعريض شيء عزيز على حزب الله للخطر، مثل حياة قادته، وسلطته في لبنان، ورفاهية ناخبيه. فبعد أن غادرت إسرائيل لبنان في العام 2000، انتقمت من الهجمات الصاروخية العرضية أو غيرها من انتهاكات السلام مع التهديد بشن المزيد من الهجمات الضخمة إن شنّ حزب الله هجوماً أكبر. وكما حذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كانون الأول 2023، “إذا اختار حزب الله بدء حرب شاملة، فسوف يحول بمفرده بيروت وجنوب لبنان إلى غزة وخان يونس”.

ويبدو أن الردع لا يزال حياً حتى بعد السابع من تشرين الأول. وقد أكد نصر الله في تصريحات علنية أن حزب الله لا يخطط لحرب أوسع حتى مع دعمه للفلسطينيين ولن يستبعد التصعيد إن تغيّرت الظروف. وتركز ضربات حزب الله على هدف سري يقع على طول الحدود على الرغم من أن لدى الحزب القدرة على شن المزيد من الهجمات وضرب إسرائيل بأكملها. ومن الواضح أنه يحاول الحدّ من هجماته حتى حين يظهر تضامنه.

يهتم حزب الله بناخبيه ويدرك أن تكرار حرب العام 2006، ناهيك عن حدوث شيء أسوأ بكثير، سيكون بمثابة كارثة لهؤلاء المؤيدين. ففي السنوات الأخيرة، تراجع الاقتصاد اللبناني، ولا يريد حزب الله أن يتحمل المسؤولية عن حرب من شأنها أن تزيد من تدمير البلاد، حيث أوضحت التهديدات الإسرائيلية لحزب الله أن لبنان سيتضرر بشدة إن استؤنف الصراع الشامل، كما أن الدمار الذي لحق بغزة يعزز من مصداقية هذا التهديد. لكن الردع قد يفشل لعدة أسباب. إن أي ضربة تقتل أعداداً كبيرة من المدنيين الإسرائيليين، حتى لو كانت عرضية، من شأنها أن تؤجج الوضع. ويعتمد الردع أيضاً على فهم حسابات القرار الذي يتخذه الخصم، وقد تسيء إسرائيل فهم تسامح حزب الله مع الهجمات على قادة حماس أو استمرار خسارة كوادر حزب الله، بما في ذلك قادة العمليات المهمين.

لقد تغير مدى تحمل إسرائيل للمخاطر، وقد يقرر القادة الإسرائيليون أنه حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة لمهاجمة حزب الله لإسرائيل، فيجب استباقها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى