تحت المجهر

الراعي: السعودية حافظت على سيادة لبنان ولم تورطه في الحروب

أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي غلى أنه “يسعد هذا الكرسي البطريركي أن يحتضن إحتفال الإطلاق الرسمي لكتاب: “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” الذي ألفه مشكورا عزيزنا الأباتي أنطوان ضو الأنطوني، في أعقاب زيارتي الرسمية إلى المملكة بدعوة كريمة منها في 13 تشرين الأول 2017. وقد تشرفت بلقاء خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولمست في هذه الزيارة حبهما للبنان وفي الوقت عينه حزنهما الشديد على الحالة من التقهقر التي وصل إليها، والمتناقضة مع مقدرة اللبنانيين الخلاقة. فللأباتي أنطوان كل التقدير لما بذل من جهود لتحقيق هذا الكتاب التاريخي القيم.

وأعرب عن “شكره لقدس الرئيس العام الأباتي مارون أبو جوده على الدعوة إلى هذا الإحتفال. فيسعدني أن أحييه، وأحييكم جميعا أيها الحاضرون، فحضوركم المميز والرفيع والوطني لدليل على أن لبنان يجمعنا، وأن المملكة العربية السعودية تبقى في رباط الصداقة مع البطريركية المارونية ولبنان. وكم نأمل بأن يكون هذا اللقاء الجامع نداء قلبيا إلى لقاء وطني شامل يؤدي إلى إنقاذ لبنان. فتتألف الحكومة، وتجري الإنتخابات النيابية والرئاسية في موعدها الدستوري، ونسلك طريق الخلاص”.

وقال، “أتناول في كلمتي ثلاث نقاط: المملكة ولبنان، البطريركية والمملكة، المملكة واللبنانيين، فالخاتمة.

أولا: المملكة ولبنان، لقد أثبتت العقود أن المملكة العربية السعودية فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسع يوما إلى تحميله وزرا أو صراعا أو نزاعا، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله. من ينسى قول الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: “لبنان قطعة منا، وأنا أحمي استقلاله بنفسي، ولا أسمح لأية يد أن تمتد إليه”. ومن ينسى وعد الملك عبد العزيز بن سعود في 12 نيسان 1953: “سأدافع عن استقلال لبنان كما أدافع عن استقلال مملكتي”. ومن ينسى وساطات المملكة السعودية طوال الحرب على لبنان. ومن ينسى رعاية المملكة مؤتمر الطائف (1989) الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني التي فهمناها امتدادا للميثاق الوطني. ولا ننسى خصوصا أن المملكة العربية السعودية كانت أول دولة عربية تعترف باستقلال لبنان سنة 1943. وعلى أساس من هذه العهود والوعود تعاطت المملكة السعودية مع لبنان، واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم.

وأضاف، “في الواقع لم تعتد السعودية على سيادة لبنان ولم تنتهك استقلاله. لم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب. لم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته. كانت السعودية تؤيد لبنان في المحافل العربية والدولية، تقدم له المساعدات المالية، وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصادية والعمرانية. كانت ترعى المصالحات والحلول، وكانت تستقبل اللبنانيين، وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل”.

وتابع، “ثانيا: البطريركية والمملكة، علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية تتخطى الاعتبارات التي تتحكم بعلاقة دولة بدولة. فالسعودية بالنسبة لهذا الصرح هي السعودية. نحبها كما هي. ولا ننظر إليها من خلال خياراتها السياسية ومواقفها القومية وعلاقاتها العربية والدولية. علاقتنا بها تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية/الإسلامية. فأحد بواعث خيار الكرسي الماروني للبنان الكبير بغناه التعددي هو أن يكون امتدادا لمحيطه من دون أن يكون نسخة عنه أو يذوب فيه. فهذا تاريخنا ونهجنا، وهذا وعدنا للبنانيين وللسعودية والعرب والعالم، وهذا وعد المملكة للبنان”.

وأكد أن “كتاب الأباتي أنطوان ضو التاريخي في جوهره، يحاكي في طياته المستقبل. فالعلاقات بين المملكة والبطريركية هي استشراف دائم للآتي من الأزمنة بما تحمل من أخوة وتضامن واحترام. وأهمية التضامن أن يتجلى في الصعوبات. تحمل المملكة السعودية تراث دين وشعب، وتكتنز البطريركية المارونية تراث شعب ناضل من أجل الله ولبنان. فعلى قرع الأجراس ولحن الآذان يسير لبنان في هذا الشرق أخا للعرب ومناصرا للحق. والأحداث والصور في الكتاب تحكي عن رفعة العلاقات بين البطريركية المارونية والمملكة السعودية. هكذا ندرك مدى محورية دوري المملكة السعودية والبطريركية المارونية في لبنان والمشرق والعالم العربي”.

وتانع، “ثالثا: المملكة واللبنانيين، 6. إن عرى الصداقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية متنت أكثر فأكثر عرى الصداقة والتعاون بين المملكة ولبنان. فإذا كانت المملكة افتتحت أول قنصلية لها في لبنان سنة 1930، فالشعبان افتتحا الصداقة بينهما قبل مئة عام لئلا نعود إلى سالف التاريخ القديم. كان اللبنانيون أوائل الذين سافروا إلى المملكة وساهموا في مشاريع الإعمار والتصنيع والإنماء والسياحة والتعليم. ولعب وجهاؤهم، بناء لطلب ملوكها، دورا مميزا في تنظيم الإدارة وتوطيد علاقات المملكة مع الشرق والغرب. ولقد أخلص هؤلاء اللبنانيون هناك للمملكة وبادلوها الوفاء. وفيما لم تميز المملكة بين لبناني وآخر، كنا نستشعر احتضانها المسيحيين العاملين في أراضيها. والحق يقال إن أبناءنا حين يهاجرون، فللعمل لا للسياسة، وللدخل لا للتدخل؛ وهم رسل لبنان لا رسل دولة أخرى، أو مشروع آخر. وهنا أتوجه إلى كل لبناني يعيش في المملكة أو يعمل فيها أن يحب شعبها ويحترم قيادتها ويلتزم قوانينها وتقاليدها ويحفظ أمنها. فمن لا يكون مستقيما في الدولة التي تحتضنه لا يكون أمينا للوطن الذي أنجبه”.

ولفت إلى أننا “نتمنى أن تستعيد العلاقات اللبنانية-السعودية عفويتها وتقاليدها السابقة حين كان قادة المملكة يزورون ربوع لبنان ويلاقون الترحيب الشعبي العظيم أينما حلوا. يومها كان عندنا دولة واحدة وآمنة. يكفي أن نرى الصور في كتاب الأباتي أنطوان ضو لنشاهد بأي حرارة كان اللبنانيون من كل الطوائف يستقبلون قادة المملكة وأمراءها ويحتشدون للترحيب بهم لدى تجوالهم في مختلف المناطق اللبنانية فبكركي والديمان. وكان كبار أمراء آل سعود لا يكتفون بزيارات للمقرات الرسمية، بل كانوا يزورون أيضا البيوتات اللبنانية، المسيحية والمسلمة، حرصا على تأكيد خصوصية هذه العلاقة ودفئها”.

وأكد أنه “مع السعودية بدت العروبة انفتاحا واعتدالا ولقاء، واحترام خصوصيات كل دولة وشعب وجماعة، والتزام مفهوم السيادة والاستقلال. مع السعودية برزت العروبة عاطفة سجية لا مشروعا عقائديا يتحدى المشاعر الوطنية والخصوصيات الحضارية ويختزل القوميات والهويات. مع السعودية احتجب البعد الجغرافي أمام جيرة العقل والقلب.
عشتم! عاش لبنان! عاشت المملكة العربية السعودية!”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى