تحت المجهر

قاض وسيناتور فرنسيان في لبنان للبحث بالأموال المنهوبة.. وفضيحة لإحدى الوزيرات!

تتضاءل الآمال بـ”استعادة الأموال المنهوبة”، أقله على المدى المنظور. لاسيما حين يكون مسار استعادة الأموال المنهوبة محصوراً باعتماد الآليات القانونية، في بلد يرتهن السواد الأعظم من قضاته لسياسيين وأحزاب، وتتداخل سلطاته الثلاث وتطغى عليها جميعها سلطة الطوائف. لكن على الرغم من الصورة السوداوية تلك، يبقى الأمل باستعادة ما نُهب من مال عام موجوداً وإن كان ليس بالأمر السهل.

قضية “استعادة الأموال المنهوبة” حضرت في ندوة حول “مكافحة الفساد وكيفية مساعدة لبنان في استرداد الأموال المنهوبة”، نظمها “ملتقى حوار وعطاء بلا حدود” بالتنسيق مع “التجمّع المهني للقضاة” في فرنسا، مساء الأحد 26 كانون الثاني في “بيت بيروت”- السوديكو. حضر فيها القاضي الفرنسي المتخصص في مجال مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وجرائم تحويل الاموال واسترداد الأموال المنهوبة، شارل براتس، إلى جانب عضو مجلس الشيوخ الفرنسي السيناتور نتالي غوليه.

الضيفان الفرنسيان أرادا بمشاركتهما عرض خبرتهما في مجال استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد، ورسم خريطة طريق للراغبين من اللبنانيين بتعقّب الأموال العامة المنهوبة، إلا أن كافة الطرق والآليات التي تطرقا إليها تبدأ من القضاء اللبناني. وهنا تكمن العقدة، كيف يمكن مقاضاة ناهبي المال العام من قبل سلطة قضائية مسيّسة ومعيّنة من قبل الأحزاب؟

قضاء شفاف
القاضي الفرنسي، ذو الخبرة الطويلة في مجال مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، يرى أن التحدي الأساس أمام اللبنانيين هو تحديد حجم الأموال المنهوبة وماهيتها، في الداخل والخارج. وذلك لا يتم إلا عبر السلطة القضائية، إنطلاقاً من رفع السرية المصرفية التي تشكّل عائقاً في وجه تنفيذ القوانين المرتبطة بمكافحة الفساد.

ويبقى، وفق براتس، الأمر الأكثر تعقيداً وصعوبة هو معرفة حجم ومصير الأموال خارج لبنان. ومن الناحية النظرية، يمكن التعاون بين لبنان والدول التي وقعت على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في هذا الشأن. أما من الناحية العملية، فهناك تقنيات وآليات قانونية يمكن اتباعها لتعقّب الأموال المنهوبة. لكن ذلك يحتّم علينا أن نتحلى بالحياد وبالشفافية وعدم الانحياز، وإلا فلن نصل إلى أي أموال منهوبة.

والمقصود بالحياد والشفافية هنا هو استقلالية القضاء، ووجود سلطة قضائية شفافة، تلقى تأييداً وطنياً جامعاً. لكن مع الأسف، السلطة القضائية في لبنان يتم تعيينها من قبل السياسيين والأحزاب. من هنا، يجب على اللبنانيين – برأي براتس- العمل أولاً على استقلالية القضاء أسوة ببعض الدول التي ينتخب فيها الشعب مجلس القضاء الأعلى. وينصح بإيجاد آلية معيّنة لانتخاب أو تعيين قضاة نزيهين. وبالعودة إلى القوانين، يدعو إلى محاكمة ناهبي المال العام من خلال مؤسسات القانونية.

ولأن انتخاب السلطة القضائية في لبنان ليس بالأمر الوارد على المدى المنظور، يرى المحامي المتخصص بملف استعادة الأموال المنهوبة، علي زبيب، في حديث إلى “المدن”، أن الخطوة الأكثر أهمية وضرورة حالياً، هي المطالبة بتشكيل لجنة قضاة مشهود لهم بالنزاهة والشفافية. فالصلاحية الأساس لتعقّب الأموال المنهوبة وتجميدها أو حجزها، تعود إلى القضاء اللبناني ولهيئة التحقيق الخاصة، تابعة لمصرف لبنان، باعتبارها المسؤول الأول والأخير للتواصل مع وحدات التحقيقات المالية في الخارج. فصلاحياتها واسعة جداً، لكنها لا تمارسها كما يجب.

تعقب الأموال
وعن مَن يملك الصلاحية بالطلب من الاتحاد الأوروبي المساعدة في استعادة الأموال المنهوبة؟ لا يرى براتس من عائق يمنع المنظمات أو الجمعيات أو حتى أفراد مدنيين من الإدعاء لدى السلطات الأوروبية لاستعادة الأموال المنهوبة، ما لم تُقدم السلطة في لبنان على ذلك. وأعطى مثالاُ على كينيا الاستوائية، التي تقدّم فيها الشعب بدعوى بحق دولته، وأدين فيها أحد الرؤساء وتمت مصادرة ممتلكاته. إلا أن للمحامي زبيب، وهو الحاضر مع المتحدثين في الندوة، رأي آخر. إذ يرى أن المدعي العام المالي ومجمل السلطات القضائية فقط يمكنها الطلب من السلطات القضائية الأوروبية، أو في أي بلد آخر ملاحقة وتجميد أموال لبنانيين. معتبراً حالة كينيا فريدة ووحيدة، تقدم فيها الشعب بدعوى ضد الرئيس. وهو ما ليس متاحاً في نظامنا القانوني في لبنان.

وإذ يُلفت زبيب إلى أهمية مبادرة الأمم المتحدة والبنك الدولي لاسترداد الأموال المسروقة (ستار)، لجهة تقديمها إرشادات لتمكين الأفراد أو المجموعات من التقدم بشكوى ضد مسؤولين في السلطة، وإلى المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي وقع عليها لبنان عام 2009، وهي تقدم آليات معينة للمساعدة على سلوك الأطر القانونية لاستعادة الأموال المنهوبة، إلا أنه يرى أن تعقب الأموال المنهوبة أصعب بكثير مما هو مُتصوّر “إذ أن كافة المبادرات الدولية التي حصلت في إطار استعادة الأموال المسلوبة حصّلت ما مجموعه 2 مليار دولار فقط”.

إذاً، لماذا نسعى للاستعانة بالاتحاد الأوروبي وبالفرنسيين لاستعادة أموالنا المنهوبة؟ فقط بهدف ممارسة ضغط معنوي، لإلزام السلطات اللبنانية بالتحرك وتحريك القضاء. ولا يمكن وفق زبيب أن يحصل ذلك ما لم نحظَ بقضاء مستقل، والاعتماد الكامل في هذا الموضوع على القضاء. من هنا، لا بد من التشدد في نظرية فصل السلطات، وانتخاب لجنة من قضاة نزيهين يضعون يدهم على كل ملفات الفساد، ويأخذون فيها أحكاماً. حينها فقط يصبح من السهل جداً على السلطات السياسية التحرك والطلب من الدول تجميد أموال كل من يُدان.

فضيحة لإحدى الوزيرات
وتأكيداً على سلب السلطة القضائية استقلاليتها، أقدمت إحدى المحاميات خلال الندوة على تسليم القاضي الفرنسي ملفاً يحوي قضية فساد تتعلّق بسياسيين لبنانيين. وعلمت “المدن” أن القضية التي سلّمتها المحامية هبة فرحات للقاضي تفضح إحدى الوزيرات اللبنانيات في الحكومة الجديدة، وترتبط بقضية فساد بالاشتراك مع طرف سياسي حزبي، نتج عنها إهدار مال ممنوح من الاتحاد الأوروبي. ووفق المحامية في حديثها إلى “المدن”، فإنها اضطرت إلى تسليم الملف إلى القاضي الفرنسي على الرغم من معرفتها بعدم صلاحيته التدخل بهكذا قضية. لكنها أرادت من ذلك إحراج السلطة في لبنان عندما يتقدم القاضي بالملف من المعنيين، ذلك بعد أن حوربت القضية في القضاء اللبناني، وجرى طمسها لأكثر من مرة. ولم يصدر فيها أي حكم نتيجة الضغوط السياسية.

المصدر: المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى